حوادث السير... مشكلة ثقافية
نبيل غيشان
(29/4/2007)
أطلقت منظمات الأمم المتحدة في الأردن الأسبوع العالمي الأول لسلامة الطرق بورشة بعنوان "السائقين الشباب " للتذكير بالمخاطر اليومية الناتجة عن حوادث الطرق.وحسب القائمين على الورشة فان هدفها مناقشة التحديات التي تواجه مشكلة السير في الأردن وصياغة برامج وخطط واضحة تشخص أسباب الحوادث بدقة وعمق وتطرح الحلول الواقعية القابلة للتنفيذ.
وأول ما كشفت عنه ورشة العمل فان المشكلة المرورية في الأردن مشكلة ثقافية لها علاقة بمستوى الوعي لدى الأردنيين وكيفية تعاملهم مع الشوارع والسيارات.
وحسب الإحصاءات الرسمية فان المملكة فقدت في العام الماضي على الطرق 300 شخص تتراوح أعمارهم بين 3-23 عاما وتقع حالة وفاة كل 10 ساعات في حادث مروري واحد يحدث كل خمس دقائق وان حوادث المرور تكلف الأردن يوميا حوالي 700 ألف دينار يوميا.
إذن المشكلة ليست فنية بل هي ناتجة عن طبيعة تصرف الإنسان في الشوارع وعدم الالتزام بقواعد المرور وقد أعطت ممثلة منظمة اليونيسيف في عمان آن سكادفت مثالا صارخا عن عمليات الإصلاح التي لها علاقة بحوادث المرور حيث قارنت بين وضع النرويج والأردن نظرا لتقارب عدد السكان في البلدين فقد كانت مشكلة السير في النرويج كبيرة لكن الحكومة هناك تغلبت عليها نتيجة تغيير القوانين وتشديد العقوبات ومتابعة المخالفين بشكل جدي الأمر الذي أدى إلى تراجع حوادث السير وادي إلى التزام النرويجيين بالنظام والقانون نتيجة المتابعة الدائمة.
وهذا ما نحتاجه في الأردن فقد ارتفعت الغرامات على المخالفات لكن مشاكل السير في ازدياد مضطرد لان الجوانب الأخرى في العلاج لم تؤخذ وأولها خلق ثقافة مرورية تعلم الناس احترام القانون والنظام إضافة إلى وضع المواطن تحت هاجس المخالفة الدائمة أي توليد قناعة لديه بأنه مراقب وليس تركه بالمخالفات دون أن يشعر بها, فالأصل أن يتابع رجال السير كل المخالفين خاصة المخالفات الخطرة التي تؤثر على حياة الناس وممتلكاتهم.
لكن قناعة رجال السير تقول دائما أن كل المخالفات مهمة ويجب متابعتها إضافة إلى الحجة الدائمة بان أعداد العاملين في جهاز السير غير كافية لمتابعة الجميع, وهذا كلام غير مقنع, فصحيح ان المخالفة هي مخالفة لكن هناك فرق بينها في مدى خطورتها على الآخرين فمثلا من لا يريد ان يلبس حزام الأمان فهو يخاطر بحياته لكن من يقوم بتجاوز خاطئ فهو يهدد حياة الآخرين.
أما موضوع قلة أعداد العاملين في إدارة السير فهذه مسألة سهلة يمكن حسمها بجعل المبالغ المحصلة من المخالفات في حساب خاص لمدة سنوات محددة لصرفها بالكامل على تطوير السير ولا داعي لتحويل تلك المبالغ إلى أمانة عمان أو بلديات المملكة فالأصل ليس قيمة المخالفة بل المهم أن نوقف التجاوزات في الشوارع.
مشكلتنا تتعلق بتغيير نمط السلوك الإنساني في الشوارع من خلال التوعية و تشديد العقوبات والغرامات المالية ومتابعة الأمر, فالسائق الذي اعتاد على توقيف سيارته في مكان مخالف لأشهر أو سنوات دون أن يضبطه رجال السير يعتبر حاله منتصرا, وتتولد لديه قناعة بان القانون لا ينفذ لكن لو شعر بأنه مراقب وانه لا يمر أسبوع دون أن يكون هناك رقيب سير في المنطقة يسجل المخالفات لما استمر في تجاوزه للقانون.
وأخيرا لا بد من تقوية الرقابة المخفية في جميع مناطق المملكة وتوسيع مظلة أعوان المرور بشكل يؤدي إلى فرض الرقابة المرورية على كل المناطق وتقسيم المملكة إلى مناطق اختصاص لأعوان المرور بحيث لا يخلو شارع أو منطقة منهم.
بكل بساطة إن تصرف المواطن في الشارع يعكس طبيعته وأسلوب حياته فإذا لم يتعود مواطننا المحافظة على قوانين وأنظمة السير في الشوارع ويتصرف عن قناعة فإننا سنبقى نسير في ركاب الدول والشعوب المتخلفة وهذه مسؤولية الدولة في إجبار الناس على التقيد بالقانون.