(إنساننا في هذا البلد ثروتنا) هذه العبارة ليست جزءا من خطبة في مهرجان ... إنها حقيقة يدركها كل عاقل... وإذا ذم من يحرق ثورة المال أو يتلفها فإن جزاء من يهدر الثروة البشرية هو جزاء القاتل...وقد شهد عصرنا الحاضر موديلات في أساليب القتل لم تكن معروفة في من قبلنا...إنها وسائل قتل تكنلوجية.
القتل بالسيارات أصبح حديث الناس، وحادث الحافلة على طريق جرش أدمى قلوبنا، والتعزية لفظ قاصر عن القيام بحق هذه المناسبة... من المسؤول؟؟السائق أم الحافلة أم الطريق؟؟ المسؤول هذه جميعا ونحن جميعا ... لا أقصد المسؤوليةعن هذا الحادث تحديدا، بل عن مجمل الحوادث التي تقتل منا ما لا تقتل ساحات الوغى... وقد انشغل الناس في أيام مضت بقانون السير المؤقت ، وضج الكادحون من تبعات ارتفاع مخالفاته...وأنا من المؤيدين ...لإلغاء المخالفات...إذا استطعنا أن نؤسس لأخلاقيات القيادة...قيادة السيارات، قيادة الأسر، وقيادة الفكر، وقيادة التكنلوجيا، قيادة الأفراد وقيادة المجتمع.
يا أحبتي : لو بلغت مخالفة قطع الإشارة الحمراء عشرة آلاف دينار لوجدت من يقطعها وهو يظن أنه يستغفل القانون ورجل المرور وامرأته، أتدرون لماذا؟ لأننا بعيدون – ما نزال – عن ثقافة الرقابة الذاتية...أستغفر الله ، بل عقيدة الرقابة الذاتية، التي تختصر عناصر الرقابة الخارجية، فما من دولة تقوى على توفير عنصر أمن لكل مواطن مهما بلغ شأنها، ولكن دولة العقيدة والفكر قادرة على أن تنقل عنصر الأمن من الرصيف والشارع ليتربع في قلب كل مكلف...أرأيت لو أن المرء شعر وهو يحدث نفسه بقطع الإشارة الحمراء بأنه يقدم على قتل نفسه أو غيره، والقتل جريمة لها عقابها الدنيوي والأخروي، أكان يقدم على مثل هذا؟ أنا لا أتخيل مجتمع فضيلة رومنسيا خاليا من الخطأ، لكنني أطالب بجهد يبني ضمير المواطن ويشعره بالمسؤولية ظاهرا وباطنا...جهد يبذله تلفزيوننا الوطني،وإذاعاتنا، وصحفنا ومجلاتنا ،والمساجد، والمدارس، والجامعات، والتوجيه المعنوي في قواتنا المسلحة، ووزارة الثقافة، وكل مثقف يملك منبرا...جهود في مجملها تصنع وعيا يربط المخالفة بالحلال والحرام لا بمجرد العقوبة الدنيوية العابرة.
يا سلطتنا التشريعية: لا تلغوا قانون السير وعقوباته، لكن اضمنوا لنا أن يثمر هذا القانون وتردع عقوبته بتعريف كل منا دوره ووظيفته، ورحم الله الفاروق قاضي المدينة النبوية في عصر الخليفة أبي بكر الذي ما لبث أن استقال من منصبه بعد سنة من تعينه لأن أحدا من المسلمين أو غيرهم لم يرفع إليه دعوى قط...فماذا لو قدر للفاروق أن يزور محاكمنا ويقف على عدد القضايا المنظورة فيها؟؟